اختتم أسبوع الموضة للهوت كوتور في باريس فعالياته بتوقيع بصري لا ينسى، حيث قدمت كبرى دور الأزياء العالمية لموسم خريف وشتاء 2025 – 2026 عروضًا تجاوزت حدود التصميم الكلاسيكي إلى مساحات أكثر ابتكارًا.
خلال أربعة أيام، تنافست العروض على تقديم رؤى فنية مستقبلية، إلا أن اليوم الأخير كان الأكثر تميزًا، خاصة مع مشاركة المصمم السوري رامي العلي، الذي كتب اسمه بجدارة ضمن الجدول الرسمي للعروض، ليصبح أول سوري يشارك بهذا الحدث العالمي.
من الفساتين المنحوتة، إلى التصاميم الصديقة للبيئة، مرورًا بالتفاصيل التراثية والأقمشة المعالجة بدقة نحتية… هذه أبرز الصيحات التي اختزلت روح الفن والإبداع في نهاية أسبوع لا يشبه سواه.
من قلب قصر طوكيو، أعاد رامي العلي صياغة مفردات الأناقة بأسلوب دمشقي أنيق، حيث استلهم بعض الفساتين من نقوش الطاولات التقليدية المصنوعة من العاج أو عظام الجمل، مضيفًا لمسة ثلاثية الأبعاد تحاكي النجوم والأقمار.
استخدم المصمم كشاكش صلبة تذكرنا بزعنفة حورية البحر، وأخرى تشبه أوراق الكتب المفتوحة، ليجعل من كل قطعة سردًا فنيًا يحمل رائحة الذاكرة وثقافة المكان.
واحدة من أقوى لحظات عرض رامي العلي كانت إعادة تصور الكورسيه الكلاسيكي بروح الحرفة. استوحى تقنيته من كراسي القش التي رافقته في طفولته، متعاونًا مع المجلس السوري للحرف اليدوية.
إحدى الفساتين جاءت بمنحوتات دقيقة من قماش الكريب العاجي، استغرق تنفيذها أكثر من 300 ساعة من العمل اليدوي… والنتيجة؟ تحفة نحتية تروي القصة عبر الخيوط.
دار Aelis اختارت أن ترسم فساتينها بلغة الفن الحديث، بمزيج من الأحمر الياقوتي والأبيض الكريمي، حيث تتدلى طيات الفستان على هيئة زهرة ناعمة تنبثق من تنورة مشقوقة عند الأمام. تصميم يلتقط النظر ويعبر عن القوة والرقة في آنٍ واحد.
في عرض لافت، قدمت دار Chocheng تاييرات مستوحاة من الطراز الحربي، بقصات دقيقة وملتزمة. التاييرات الحمراء الغنية جاءت مزينة بأزرار مغطاة بالقماش وحبال زخرفية على الكتفين، وزينت الإطلالة بقبعات صينية مستوحاة من التراث الآسيوي. مزيج جريء بين البنية الصارمة والأنوثة الواثقة.
أثبت Pete Dullaert أن الحد الأدنى يمكن أن يكون الأكثر تعبيرًا. فمع قصات ملساء وألوان أساسية مثل الأبيض والكحلي، قدم المصمم الشاب تصاميم مونوكرومية مستوحاة من الأرت ديكو بأسلوب عصري ناعم. بدلة بيضاء بأزرار جانبية وشريط كحلي في الخلف جاءت لتجسد نقاء الفكرة وأناقة التنفيذ.
واختتم العرض بما يشبه الخاتمة الشعرية من دار Germanier، حيث برز فستان ضخم بني على هيئة وردة مفتوحة، تنسدل أجزاؤها بانسيابية مذهلة على التنورة، بلون أخضر نابض بالحياة. الحذاء الذي رافق الإطلالة جاء مزينًا بحبيبات شفافة تأخذ شكل أزهار مصقولة، ليروي قصة فنية بيئية بامتياز.
في أسبوع يعد من الأهم عالميًا، أثبتت هذه العروض أن الهوت كوتور لا يقتصر على الأقمشة الفاخرة والتفاصيل المعقدة، بل هو مساحة للتعبير، للتجريب، ولتقديم الأزياء كأعمال فنية تنبض بالهوية. وبين المصمم الذي يعود بجذوره إلى مدن الشرق، وآخر ينسج الورود من حبيبات البلكسي، كانت باريس المنصة التي احتضنت أحلامهم وأطلقتها إلى العالم.
